طبقات الغلاف الجوي وأهميتها

عدد طبقات الغلاف الجوي

يمثّل الغلاف الجوي درعًا واقيًا يحيط بكوكب الأرض، وهو ليس مجرد غلاف من الهواء يحيط بالأرض وحسب، بل يتكون من عدّة طبقات متمايزة تختلف في خصائصها الفيزيائية والكيميائية، وتلعب كل طبقة منها دورًا محددًا في حماية الكوكب وتنظيم الظروف البيئية والمناخية الضرورية للحياة. تنبع أهمية دراسة طبقات الغلاف الجوي من دورها الحيوي في الحفاظ على توازن المناخ، وحماية الكائنات الحية من الإشعاعات الكونية، والمساهمة في الظواهر الجوية المختلفة كالأمطار والرياح والعواصف.

يتكون الغلاف الجوي من خمس طبقات رئيسية، وهي: التروبوسفير (Troposphere)، الستراتوسفير (Stratosphere)، الميزوسفير (Mesosphere)، الثيرموسفير (Thermosphere)، والإكسوسفير (Exosphere). ويُضاف أحيانًا إلى هذه الطبقات طبقة الأيونوسفير (Ionosphere) كمنطقة وظيفية ضمن الغلاف الجوي الأعلى. وفيما يلي تفصيل شامل وعلمي لكل طبقة، من حيث موقعها، خصائصها، مكوناتها، ووظائفها الأساسية.

الطبقة الأولى: التروبوسفير (Troposphere)

الموقع والامتداد:

تُعد التروبوسفير أقرب طبقات الغلاف الجوي إلى سطح الأرض، وتمتد من سطح الأرض حتى ارتفاع يتراوح بين 8 كم عند القطبين و18 كم عند خط الاستواء.

الخصائص الفيزيائية:

تحتوي هذه الطبقة على 75% من كتلة الغلاف الجوي، وعلى معظم بخار الماء والغازات، مما يجعلها مقرًا للطقس والمناخ. درجة الحرارة في هذه الطبقة تنخفض مع الارتفاع، بمعدل تقريبي يبلغ 6.5 درجات مئوية لكل كيلومتر.

الوظائف الحيوية:

• تحتوي على الأوكسجين الضروري للتنفس.

• تجري فيها كافة الظواهر المناخية كالسحب، الأمطار، العواصف، والرياح.

• تشكّل طبقة توازن بين سطح الأرض والطبقات الأعلى.

الطبقة الثانية: الستراتوسفير (Stratosphere)

الموقع والامتداد:

تقع فوق التروبوسفير، وتمتد من حوالي 10 إلى 50 كيلومترًا فوق سطح الأرض.

الخصائص الفيزيائية:

تتميز هذه الطبقة بزيادة تدريجية في درجة الحرارة مع الارتفاع، وذلك بسبب امتصاص طبقة الأوزون (O₃) للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. وتُعد طبقة الستراتوسفير أكثر استقرارًا من التروبوسفير، إذ تخلو من التيارات الهوائية العمودية.

الوظائف الحيوية:

• تحتوي على طبقة الأوزون التي تحمي الكوكب من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

• تُستخدم في الطيران على ارتفاعات عالية، حيث تطير الطائرات النفاثة لتجنّب الاضطرابات الجوية في التروبوسفير.

الطبقة الثالثة: الميزوسفير (Mesosphere)

الموقع والامتداد:

تمتد هذه الطبقة من 50 إلى نحو 85 كيلومترًا فوق سطح الأرض، وتقع فوق الستراتوسفير.

الخصائص الفيزيائية:

في الميزوسفير، تنخفض درجات الحرارة مجددًا مع الارتفاع لتصل إلى أدنى مستوياتها في الغلاف الجوي، حيث قد تبلغ -90 درجة مئوية. وتُعد هذه الطبقة بيئة قاسية للغاية، ولا يمكن الطيران فيها أو إجراء قياسات مباشرة بسهولة.

الوظائف الحيوية:

• تحترق معظم الشهب والنيازك في هذه الطبقة بفعل الاحتكاك مع جزيئات الهواء، مما يحمي الأرض من الاصطدام بها.

• تُعد هذه الطبقة من أقل الطبقات دراسةً نظرًا لصعوبة الوصول إليها.

الطبقة الرابعة: الثيرموسفير (Thermosphere)

الموقع والامتداد:

تقع فوق الميزوسفير وتمتد من حوالي 85 كم إلى حدود تتراوح ما بين 500 إلى 1,000 كيلومتر فوق سطح الأرض.

الخصائص الفيزيائية:

ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير في هذه الطبقة وقد تصل إلى 2000 درجة مئوية أو أكثر، وذلك بسبب امتصاص الجزيئات النادرة جدًا فيها للأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية. وعلى الرغم من الحرارة العالية، فإن الشعور بها يكون محدودًا لندرة الجزيئات.

الوظائف الحيوية:

• تحتوي على طبقة الأيونوسفير، وهي منطقة غنية بالجسيمات المشحونة التي تعكس موجات الراديو وتساعد في الاتصالات اللاسلكية.

• تُعد موطنًا للشفق القطبي (Aurora Borealis/Australis).

• تدور فيها المحطات الفضائية والأقمار الصناعية منخفضة المدار.

الطبقة الخامسة: الإكسوسفير (Exosphere)

الموقع والامتداد:

تمثل الطبقة الأخيرة والأبعد عن سطح الأرض، وتمتد من نحو 700 كم إلى 10,000 كم تقريبًا، إلى أن تتلاشى تدريجيًا في الفضاء الخارجي.

الخصائص الفيزيائية:

تتكون الإكسوسفير من جزيئات غازية خفيفة جدًا كالهيدروجين والهيليوم، وهي طبقة نادرة جدًا من حيث الكثافة. تزداد فيها سرعة الجزيئات لدرجة تسمح لها بالهروب من جاذبية الأرض إلى الفضاء.

الوظائف الحيوية:

• تُعد بوابة الأرض إلى الفضاء الخارجي.

• تتحكم في حركة بعض الأقمار الاصطناعية بعيدة المدار.

• تحدد الحدود العليا للغلاف الجوي.

طبقة الأيونوسفير (Ionosphere) – طبقة وظيفية

رغم أن طبقة الأيونوسفير لا تُعد طبقة مستقلة ضمن الطبقات الخمس الأساسية، إلا أنها تُصنَّف على أنها منطقة وظيفية مهمة تمتد من حوالي 60 كم إلى 1000 كم، وتشمل أجزاء من الميزوسفير والثيرموسفير. وتتميّز بتركيزها العالي من الأيونات والإلكترونات الحرة الناتجة عن تأين جزيئات الغازات تحت تأثير الإشعاع الشمسي.

الوظائف الرئيسية:

• تمكّن من انعكاس الموجات اللاسلكية والتلفزيونية على سطح الأرض.

• تلعب دورًا حاسمًا في أنظمة الملاحة والتواصل عبر الأقمار الصناعية.

• تُعد من العوامل الرئيسية في ظاهرة الشفق القطبي.

التركيب الكيميائي للغلاف الجوي

رغم اختلاف الكثافة والضغط الجوي في كل طبقة، إلا أن الغلاف الجوي مكوّن بشكل رئيسي من:

• النيتروجين (N₂): حوالي 78%

• الأوكسجين (O₂): حوالي 21%

• غازات أخرى (الأرغون، ثاني أكسيد الكربون، الهيليوم، وغيرها): حوالي 1%

هذا التركيب يظل ثابتًا تقريبًا حتى حدود الثيرموسفير، قبل أن يتغير في طبقة الإكسوسفير التي تسود فيها العناصر الأخف وزنًا.

جدول يوضح مقارنة بين طبقات الغلاف الجوي

أهمية الغلاف الجوي للكوكب والحياة

الغلاف الجوي ليس مجرد غلاف من الغازات، بل هو بنية ديناميكية تحفظ الحياة وتنظّم العلاقة بين الأرض والشمس والفضاء. ومن أهم أدواره:

• حماية الكائنات الحية من الأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية.

• تنظيم درجة حرارة الأرض عبر تأثير البيت الزجاجي.

• تسهيل العمليات الحيوية كالتنفس والاحتراق.

• توفير الظروف الضرورية لوجود الماء في حالته السائلة.

• تأمين التوازن البيئي والمناخي اللازم لاستمرار النظم الحيوية.

الخلاصة العلمية

الغلاف الجوي يتكون من خمس طبقات رئيسية تختلف في خصائصها ووظائفها وأهميتها، وتلعب دورًا تكامليًا في الحفاظ على الحياة واستقرار الكوكب. تبدأ هذه الطبقات من التروبوسفير القريب من سطح الأرض وتنتهي بالإكسوسفير البعيد المتصل بالفضاء، مع تداخل بعض الطبقات الوظيفية كالأيونوسفير التي تسهم في الاتصال وحماية الأرض من الإشعاعات الضارة. يعد فهم هذه الطبقات ومعرفة خصائصها أساسًا لفهم الظواهر الطبيعية والمناخية والتطورات البيئية التي تواجه الكوكب.

المراجع:

• NASA Earth Observatory – https://earthobservatory.nasa.gov

• Encyclopedia Britannica – https://www.britannica.com/science/atmosphere